عبد الله بن جعفر الهاشمي
(1 ـ 80 هـ)
عبد الله بن جعفر بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم القرشي الهاشمي، والده جعفر الطيار ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمه أسماء بنت عميس الخثعمية الصحابية، وكنيته أبو جعفر.
ولد في الحبشة أثناء هجرة والديه إليها سنة (1) للهجرة وهو أول مولود في الإسلام بأرض الحبشة. قدم مع والديه مهاجراً إلى المدينة في السنة السابعة للهجرة فوصلوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في خيبر بعد فتحها، وفي السنة الثامنة للهجرة استشهد والده جعفر الطيار في معركة مؤتة بأرض الشام، وكان عمره ثماني سنوات فكفله الرسول عليه السلام ، ويروي عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاهم بعد استشهاد والده فقال: ائتوني ببني أخي، فقال: (أما محمد فشبه عمي أبي طالب، وأما عبد الله فشبه خَلْقي وخُلُقي) ثم أخذ بيدي فأشالها، ثم قال: (اللهم اخلف جعفراً في أهله، وبارك لعبد الله في صفقته ) فجاءت أمنا فذكرت يتمنا فقال: (العيلة تخافين عليهم، وأنا وليهم في الدنيا والآخرة؟ ).
وروى إسماعيل بن عباس قال: (إن عبد الله بن جعفر وعبد الله بن الزبير بايعا النبي صلى الله عليه وسلم وهما ابنا سبع سنين ، فلما رآهما الرسول تبسم وبسط يده وبايعهما).
وكان عبد الله يمارس التجارة منذ صغره، وقد مر به النبي صلى الله عليه وسلم وهو يلعب فقال: اللهم بارك له في تجارته. وهو آخر من رأى النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه من بني هاشم، ويعد من صغار الصحابة. له ذكر في كتب الحديث حيث روى عدة أحاديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم، كما روى عن عمه علي وعن أمه أسماء، وروى عنه أولاده إسماعيل وإسحاق ومعاوية، وأبو جعفر الباقر، والقاسم بن محمد، والشعبي، وعروة بن الزبير، وآخرون .
اشترك مع عمه علي بن أبي طالب رضي الله عنه في موقعة صفين، وكان أحد أمرائه على قريش وأسد وكنانة.
كان عبد الله جواداً كريماً عفيفاً حليماً، ويقال له: قطب السخاء، وبحر الجود، وأخباره في هذه الجوانب لا تحصى، وكان يقال: إن أجواد العرب في الإسلام عشرة، وإنه لم يكن منهم أسخى منه، وقد عوتب مرة على سخائه فقال : إن الله عودني عادة وعودت الناس عادة، وأنا أخاف إن قطعتها قُطعت عني.
وكان ممدحاً من الشعراء، يجزل لهم العطاء، ومن هؤلاء الشاعر: نصيب، وكان أسود اللون، فأعطاه إبلاً وثياباً وخيلاً ودنانير ودراهم، فقيل له: أتعطي لهذا الأسود مثل هذا؟ فقال: إن كان أسود فشِعْرُه أبيض، ولقد استحق بما قال أكثر مما نال، وهل أعطيناه إلا ما يبلى، وأعطانا مدحاً يُروى، وثناء يبقى.
وكان سريع الجواب، حاضر البديهة فصيحاً، وافر الحشمة، كثير التنعّم، طروباً وممن لا يرى بسماع الغناء بأساً، وكان كثير العبادة يديم قراءة القرآن. وكان خلفاء بني أمية وخاصةً معاوية بن أبي سفيان وابنه يزيد، يعظمونه ويكرمونه، وكان إذا قدم على معاوية أنزله داره، وأظهر له من بره وإكرامه ما يستحقه، وكذلك كان يفعل يزيد ويقول لمن لامه في ضخامة عطيته له: هذا هدية ملك الدنيا إلى من هو أولى منه بالإمامة.
وكان عبد الله يوزع على أهل المدينة كل ما يصله من صلات حتى لا يبقى له شيء، وكان يعفو لهم عن الديون ويساعدهم في النوائب والملمات.
وتوفي في المدينة سنة (80 هـ)، وكان والي المدينة أبان بن عثمان بن عفان، ويروى أنه حضر غسل عبد الله وكفنه وحمله مع الناس ـ وقد ازدحم على حمله خلق كثير ـ ولم يفارقه حتى دفن في البقيع ودموعه تسيل على خده ويقول عنه: كنت والله خيراً لا شر فيك ، وكنت والله شريفاً واصلاً براً ، رحم الله عبد الله بن جعفر ورضي عنه.